1/قدر لي أن أكون في أكناف التدريب ودوراته فترة لا بأس منها ،قرابة الثمان سنوات،كنت فيها حاضرا لدورات كثيرة ومشرفا على مركز للتدريب أغلب الوقت، ومدربا في أحيان قليلة.
2/سأحاول أن أفكر بقلم مكتوب حول ما علق بذهني وأظن بعضه قناعات أوخبرات في هذا المجال الذي تتنازع الرأي فيه أطراف،منها المهولة له والمهونة منه،المتحمسة له والمزهدة فيه.
3/الدورات التدريبية المتخصصة في مسارات مهنية واضحة غالبا ما تكون خارجة عن النزاع،مثل إدارة المشاريع والمالية،والعلاقات العامة....إلخ
4/الدورات المهنية المتخصصة غالبا ما يكون لها جمعيات ومنظمات ترعاها وتطورها،وهي تختلف بشكل كامل عن المنظمات الوهمية أو شبه الوهمية الشائعة...
5/هناك شهادات متخصصة محترمة في كل مكان،في إدارة المشاريع أو المالية أوالمحاسبة أوالموارد البشرية والعلاقات العامة وغيرها من المهن ،أنظمتها صارمة ومنضبطة،واختباراتها صعبة في الاجتياز.
6/النوع الثاني من الدورات التدريبية،مايمكن تصنيفه في باب رفع الكفاءة الشخصية أوما اصطلح عليه بتطوير الذات أوالنجاح،هذه الدورات هي مثار الجدل.
7/مشكلة هذا النوع أنه مطية لا ترد راكبا،وحسناء لا ترد لامسا،قليلا من الحذلقة وذرابة اللسان مع شيء من الجرأة والقدرة على الإلقاء.
8/قص ولصق من هنا وهناك،أو تحميل عرض كامل من الانترنت،وشهادة مدرب معتمد في عشرة أيام أو خمسة لتكتمل الوجاهة....مبروك أصبحت خبير تنمية بشرية!
9/العزف على وتر تحسين الانتاجية ورفع الكفاءة واطلاق القدرات، وعبارات من قبيل "أنت تستطيع" و"العملاق المقيد"،ونغمة "هندسة النجاح" و"صناعة التميز"
10/ألفاظ مطربة للذين يشعرون بعوز حقيقي وشتات كامل،الكثيرفعلا إن لم يكن الأكثر قد يتوسط به العمر بدون إنجاز يذكر،وبدون وجهة أو رؤية،تائه في دروب حياته،البعض يشعر بهذا الضعف،والبعض تبلد احساسه،وآخرون دائما يبحثون عن الأفضل.
11/الحديث عن ما يسمى عادات النجاح حديث مهم جدا وهي مهارات لا ينكر أهميتها حتى الذين يعيبون هذه الدورات،هناك فعلا منظومة مضطربة من السلوكيات والعادات اليومية،خاصة مع زيادة الأعباء و كثرة المشتتات والتحديات و الطلبات التي صعبت الحصول على المكانة المرموقة اجتماعيا ومهنيا.
12/تنظيم الوقت،ترتيب الأولويات،وضع الأهداف،التخطيط،اختيار التخصص ورسم المسار،الاتصال الجيد،الاقناع والتأثير...الخ،هي فعلا علامات فارقة بين الناجحين والفاشلين.
13/أين الخلل؟
14/أظن أن أول الخلل هو في التصور الصحيح لدور التدريب ، التدريب لا يهدف إلى تكوين العادات وتغييرها،لا يمكن غالبا للتدريب أن يبني عادة من العادات الجيدة والجديدة في الشخصية.
15/لم أسمع في حياتي عن متدرب كان فوضويا وبعد حضوره بضع ساعات،أصبح منظما في وقته مرتبا ﻷولوياته،أعني أنه تحول من أقصى الشمال إلى أقصى اليمين بمجرد حضور الدورة.
16/دور التدريب ينحصر في ثلاثة أشياء رئيسية:
17/الأول:تشكيل الاتجاه:أن يتكون لدى المتدرب توجه نحواكتساب المهارة ودافعية نحو رفع كفاءة أدائه في حياته الشخصية،وهنا تحديدا تحققت أكثر نجاحات التدريب الجيد.
18/الثاني:اكتساب المهارات:أن يمارس ويجرب المتدرب مهارات مهمة له من خلال الورش والتطبيقات،كأن يتعلم مصفوفات الأولويات ويمارسها،أو يتعلم مهارة تنظيم الوقت،أو مهارة الإلقاء أو الانصات.
19/اكساب المهارات هوالعلامة الفارقة بين المدرب المتمكن والمدرب المدعي،، نقل المهارة يحتاج عمق في منطلقاتها وخبرة في استخدامها،والضعف في هذا الجانب من أظهر مشكلات الدورات التدريبية.
20/الثالث:نقل المعرفة:يفترض أن يكون نقل المعلومات والمعارف أضيق استخدامات التدريب،ﻷن التعليم يحصل بالقراءة والبحث الشخصي ولايحتاج محاضرات مطولة تحت اسم وستار الدورات التدريبية، وهذا هو الأكثر ظهورا للأسف.
21/شاب يحضر دورة تدريبية يزعم صاحبها أنه سيغير حياته،يتحمس أثناء الدورة،يذهله الكلام المقنع والعرض البارع،يستمع لمعلومات جديدة وماتعة،يعود لحياته مفعما بالأمل للتغيير،ثم لا يلبث ألا يتغيرشيء،فيقول:سحقا لهم،كذابين!
22/المشكلة أن كثيرا من المدربين يعد بما لا يملك، فهو يعد بالتغيير و التطوير و النقلة الكبيرة والنوعية بنهاية الدورة،و حقيقة الأمر أن أقصى ما يمكن أن يقدمه معلومة جيدة وجديدة،أو بدايات مهارة لم تنضج بعد،وفي أحسن الأحوال قناعة تساهم في تشكيل اتجاه جديد.
23/المشكلة الأسوأعند عدد كبير من المدربين أنه يقدم ما لا يحسن ،هو ليس مدربا في الأساس ، ركب موجة التدريب لوجاهة أو مال أو عطالة وبطالة،يضرب في كل بحر بصيد،يقدم أكثر من 30 عنوانا تدريبيا في تسعة مجالات.
24/أقصر الطرق للتصدر للناس أن تسبق اسمك بكلمة الخبير أو المدرب،ويكفيك أن تحضر دورة في إعداد المدربين قد لا تكلفك أكثر من ألف ريال لتصبح المدرب العالمي المعتمد!
25/هؤلاء قطاع طريق ومتلاعبين بأحلام الناس ويتاجرون بالوهم،
26/الطرف الثاني في المشكلة هو المتدرب نفسه.
27/هو الذي يضع آمالا عظاما على ساعات تدريبية أيا كان عددها،عليه أن يعي الحقيقة،وهي أن التدريب ينتهي دوره عند الدافعية أو البناء الأولي للمهارة، مالم يبادر المتدرب لتطبيق المهارات أو يسير في الاتجاه الجديد ويمارس المهارة الجديدة بشكل متواصل،ليصبح حاذقا بها خبيرا،لن تتعدى استفادته من الدورة ساعات جميلة قضاها في الفندق وقاعة التدريب أوالكوفي بريك الذي تناوله!
28/مشكلة التطبيق ظاهرة مطردة في حياتنا كثيرا،شخصيا حضرت العديد من الدورات عند مدربين أكفاء أكسبوني مهارات طبقتها بشكل جيد كبداية لها أثناء الدورة،لكن الانفكاك عن التطبيق وطول العهد أنساني الكثير منها.
29/كثيرا ما أراجع حقائب لدورات حضرتها واسترجع مهارات وفوائد ستكون حياتي أفضل لو مارستها..المهارات مع الممارسة المستمرة تصبح عادات وجزء من الشخصية.
30/المعتنون بالثقافة والقراءة هم أكثر الناس شجبا للدورات،ويراها بعضهم دجلا و سرقة، والبعض الآخر يراها تسطيحا وضحالة،والحق أن بعض الصواب في كلامهم.
31/بعض هذه الدورات تبسط نظريات وفلسفات نفسية واجتماعية لتحولها لمنتج سهل التداول والتطبيق،وبعض آخر نوع من الضحك على الدقون،وهي ليست قليلة.
32/لكن بعض هؤلاء المثقفين الشاجبين يفتقدون أبسط مهارت الحياة العامة كالإلقاء،والتنظيم و فهم العلاقات،وأعرف عددا لا بأس به منهم فشل فشلا ذريعا في الحياة المهنية و بحر الحياة البعيد عن الترف الفكري والتنظير، نظرتهم السوداء المطلقة عن التدريب حالت دونهم ودون الاستفادة مما يمكن الاستفادة منه.
33/النظرة المتزنة أن المهارات حاجة لا بد منها و أن الدورات أحد وسائل الترقي الجيد إن صحت أركانها (مدرب متمكن وممارس،ومادة محترمة،وأهداف واقعية،ومتدرب عازم على التغير)ولكنها ليست كل شيء.
34/القراء الجيدون وأصحاب المعارف،يمتلكون ركاما معرفيا عن نظريات الانسان والاجتماع لا يقبلون النتيجة البسيطة التي تعرض وتطرح في الدورة على شكل سلوك إجرائي للمهارة(هذيل ورطة إذا كانوا حاضرين في دورة)،نادرا ما يكون المدرب متعمقا في الدوافع و الخلفيات النظرية.
35/من أخطر مظاهر التدريب في وجهة نظري ، ما ظهر أخيرا من دورات التفكير وتحسينه وتطويره،وهي من أكثر ما يضلل الناس،إذ أن منهجية التفكير وطرق التفكير وأنواعه سلوك ذهني معقد يتشكل من خبرات وتجارب وأساليب مورست في التعليم والتنشئة،ثم يزعمون أنه سيتغير بعد دورة لا تزيد عن ستة أيام!
36/و الأعجب أنك بنهاية الأيام الستة تصبح مدربا معتمدا لأنماط التفكير أو الكورت أو ....!!
37/قناعتي أن أثر هذه الدورات لن يعدو المعارف والمعلومات الجديدة في مجال العقل والتفكير،ويبقى تحسين التفكير ورفع المهارات العقلية مرتهن بسلسة من الإجراءات والممارسات.
38/أخيرا وبكل مرارة،من أكثر من رأيته يقدر هذه المهنة،الغربيون الذين لا يتصدرون لشيء حتى يتضلعوه بالكامل،الحضور عندهم مفيد جدا،وغالبا ما يحترمون تخصصهم والحضور،ولديهم المام واطلاع لافت في بابهم ، شاهدت هذا في أكثر من دورة..
39/والسلام عليكم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
مرحبا بك معلقا و مقوما